"أحبك"
تلك هي اخر الكلمات التي نطق بها الشهيد محمود الهبيل مرافق الاطفال الشهداء الثلاثة من عائلة بعلوشة , لزوجته العروس ياسمين البالغة من العمر 18 عاما .. وهي تودعه بعد اقل من عامين على زواجهما .
ياسمين الكريري ..
'18' عاماً فقط تزوجت الشهيد قبل عامين أو بمعنى أدق قبل أن يشغل وظيفة المرافق بعام وسبعة أشهر من اليوم الذي فارق فيه الحياة على ايدي مسلحين أمام منزل العميد الذي فقد أطفاله الثلاثة أمس، وكان الهبيل 25 عاماً يحمل في حضنه الطفل الصغير سلام بهاء بعلوشة ذو الثلاثة أعوام ونصف.
وتقول الزوجة المفجوعة بزوجها :' الرصاصات التي اخترقت قلب ورأس الطفل سلام اخترقت قلب زوجي محمود الهبيل ولا اعلم كم عددها ولكن ما أعلمه أنها قتلت زوجي الذي علمني كيف اغسل الأطباق وأقشر البيض وأطبخ الأكلات السريعة وكيف أشعل الغاز'.
لقد أنقذ في حياته الكثيرين من بحر غزة الهائج ولكن لا اعلم لماذا لم يستطع إنقاذ نفسه والطفل الذي أحبه دائماً واحتضنه كل يوم أثناء نقله لحضانته في مدينة غزة'.
ياسمين تقلب الذكريات باكية وهي تبحث عن أقرب صورة تعشقها ويعشقها فاختارت إحداها وقبلت وجنتي الزوج المغادر الى الأبد وقالت:' بأي ذنب قتلوا زوجي ولماذا لم يدركوا ان هناك زوجة عرفته قبل أن تعرف السياسة وفتح وحماس والصراع الذي لا ذنب له أو لها به'.
على شاطئ بحر غزة شمالاً بالقرب من منطقة السودانية يقع منزل والد محمود الهبيل الذي شعر يومها بانقباض في قلبه كما تقول الأم المسنة أم رياض الهبيل ' 60' عاماً:' في ذلك الصباح كان قد غادر ابني محمود دون ان اعلم من غادر باب البيت من أولادي وأغلق الباب خلفه وأطفأ الأنوار' فبقيت جالسة وقد أتممت صلاة الفجر اشعر بانقباض بقلبي كما يشعر زوجي المسن ويومها كان أولادي الستة قد قرروا الاحتفال بعودتنا من الديار الحجازية بعد أداء العمرة وطلبوا من ابني محمود عدم الالتحاق بالعمل حيث قرروا ان يذبحوا أضحية احتفالاً بالمناسبة ولكنني عندما علمت ان محمود خرج شعرت بخوف شديد'.
وعن سماعها للخبر قالت:' سمع ابني عبد الله نبأ قتل ثلاثة أطفال هم أولاد الأخ بهاء بعلوشة عبر الإذاعات أثناء توجهه للعمل وهناك حاول الاتصال بأخيه إلا انه فوجئ بالمجيب الذي قال له يجب ان تحضر إلى مستشفى الشفاء وهناك بدا عبد الله بالصراخ سائلاً ماذا حدث لأخي؟ وعرف ان أخاه قد أصيب برصاصات قاتلة'.
الحزن عمً المنزل لم يصدق أحد ان محمود الهبيل الذي عشق دوماً البحر والسباحة به وإنقاذ الغرقى سبح في آخر لحظاته بدمائه ولم يستطع إنقاذ نفسه أو إنقاذ الطفل الصغير بين يديه.
شقيقته الكبرى أم محمد في كل العالم وكل الدول حكومة واحدة ولدينا حكومتان ولا احد يعلم من قتل شقيقي الأصغر الذي ربيته بدموعي وعيوني فلماذا لا يذهب العاجزون ويدعون المناصب لغيرهم ليعلم الجميع من المجرم الذي قتل أحباب الله وأخي قبل أن يباد الشعب على يدي الشعب؟'.
آخر كلمات الرجل لزوجته ياسمين قال لها ' أحبك' ثم ذهب وقبل أن يبرد فراشه كما تقول زوجته كان الراصدون يترقبون فقتلوه غدراً وهو يحلم بأن يرزقه الله طفلاً كما الطفل الذي حمله بين يديه ومات بين يديه.
" لن أنسى ما حييت " محمود " فقد قُتل غدراً و أولادي الثلاثة , في محاولته الدفاع و حماية أطفالي أسامة و أحمد و سلام , و أضاف الأخ بهاء بعلوشة " محمود " شاب شجاع , العمل الوطني كان يشغل تفكيره بشكل دائم , دون العمل تحت إطار أي تنظيم , أخلاقه لا مثيل لها , و لا مجال للشك في نزاهته , الأمر الذي شجعني منذ معرفتي به لاختياره مرافقي الشخصي ..
سأمضى عمري ما حييت في البحث عن قتلة أطفالي و قتلة الشهيد " الهبيل ".
بقلم زيد نعالوه